إذا أردت أن تعرف ماهية الأمة وحقيقة أمرها، فلا تسأل عن ذهبها ونشبها وبترولها ورصيدها المالي، ولكن انظر إلى شبابها، فإن رأيته شبابا متدينا متمسكا بقيمه الأصيلة منشغلا بمعالي الأمور، قابضا بأذيال الكمال وأهداب الفضائل -فاعلم أنها أمة جليلة الشأن، رفيعةُ القدر والجاه، قوية البناء، مرفوعة العلم لا ينال منها عدو، ولا يطمع فيها قوى.
وإذا رأيت شباب الأمة هابط الخلق والقيم، منشغلا بسفاسف الأمور، يتساقط على الرذائل كما يتساقط الذباب على جيف الفلاة -فاعلم أنها أمة ضعيفة البناء مفككة الأوصال هشة الإرادة، سرعان ما تنهار أمام عدوها، فيستلب خيراتها، ويحقر مقدساتها، ويهين كرامتها، ويشوه تاريخها وثقافتها.
وتلك حقيقة جلية لا يزيدها تعاقب الزمن إلا رسوخا ووضوحا، لأنها جاءت نتيجة لتجارب الأمم وحوادث التاريخ وسنن الكون.. إن الشباب هو عنوان الأمة والمتحدث بلسان حالها، والمترجم عن مصيرها ومآلها -تستطيع الأمة بشبابها -بعون الله- حماية دينها وأرضها واستخراج كنوزها، وتطويع مواردها، واستغلال خيراتها.. إلا أن ذلك مرهون بتربيته، والعناية به وصيانته من كل خطر يهدد خلقه وعقيدته.. ذلك مرهون بتمكن الإيمان في قلبه وبين جنبيه.. ذلك مرهون بتنمية روحه وضميره وعزمه وفكره تلك هي التنمية المطلوبة، والتي ينبغي أن نهتم بها أكثر من غيرها كتنمية الموارد الطبيعية، لأن الأخيرة هذه إنما تدار من أجل الإنسان فهو إذن قطب الرحى، فالاعتناء به ينبغي أن يكون في مقدمة ما نعتني به، وفرق بين تنمية تدفع إليها الحاجة، وتنمية يسار إليها مع الحاجة.