للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذن لم يحصل قتال في هذه السنة وعاد ابن تيمية إلى دروسه ومجالسه العلمية وهو لم يفارقها إلا بالقدر الذي يضطر إليه في مقابلات الملوك والأمراء والسلاطين ومخاطبة القواد والاتصال بالجنود على جبهات القتال، ونرى ابن تيمية في هذه الفترة وقد صار مبسوط اليد والسلطان نراه يقيم الحدود ويحارب الرذائل ويقوم الأخلاق في الأمة؛ يقول الحافظ ابن كثير: " دار الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله تعالى وأصحابه على الخمارات والحانات فكسروا آنية الخمور وشققوا الظروف وأراقوا الخمور وعزروا جماعة من أهل الحانات المتخذة لهذه الفواحش ففرح الناس بذلك فرحا شديدا " [٥] .

ابن تيمة في الميدان:

جاء التتار بجمعهم وجموعهم إلى الشام سنة ٧٠٢هـ وأحاطوا بدمشق من كل مكان وأرجف المرجفون وبلغت القلوب الحناجر وزلزلوا زلزالا شديدا، وتحالف العلماء والقضاة والأمراء في هذه المرة وابن تيمية على رأس الجميع يثبت القلوب ويعدهم بالنصر وكان يتأول قوله تعالى: {ومن بغى عليه لينصرنه الله} ، وجعل يحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنكم لمنصورون فيقول له بعض الأمراء: قل إن شاء الله، فيقول: أقولها تحقيقا لا تعليقا، وأفتى الناس بالفطر إذ كانت هذه وقعة "شقحب " في رمضان وتردد بعض الجند في قتال هؤلاء لأنهم يزعمون أنهم مسلون فأفتاهم ابن تيمية وبين حكم الإسلام فيهم وأنهم من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي ومعاوية حتى كان يقول هم: " إذا رأيتموني وأنا في ذلك الجانب - أي معهم - وعلى رأسي المصحف فاقتلوني"، وكان يدور على الجند والأمراء في الميدان فيأكل أمامهم ليبين لهم أنه مفطر ويروي لهم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في عام الفتح: " إنكم ملاقوا العدو غدا والفطر أقوى لكم "،.

وطلب منه السلطان قبيل المعركة أن يقف معه وتحت راية مصر فأبى قائلا: " السنة أن يقف الرجل تحت راية قومه ونحن من جيش الشام لا نقف إلا معهم " [٦] .