وبعد جيل من الفتح تكوَّن من المسلمين العرب والأسبان عنصرٌ جديدٌ عرف "بالمولدين"وهم الذين ولدوا من آباء عرب وأمهات أسبانيات، وعلى مرّ الزمن كثر عدد هؤلاء حتى أصبحوا يكونون أغلب سكان الأندلس.
وقد وصلت الحضارة العربية في الأندلسي إلى درجة عالية من الازدهار، وبخاصة في القرن الرابع الهجري؛ حيث كانت مدينة قرطبة العاصمة تضم مائة وثلاثة عشر ألف مسكن وواحد وعشرين ضاحية، وكان بها سبعون دارا للكتب، وعدد لا يحصى كثرة من الحوانيت كما كان بها كثير من المساجد، وكان أغلب شوارعها مرصوفا ومضاءة [٢] وكانت بقية المدن صورة مصغرة من العاصمة.
وفي محيط الزراعة غرس العرب الكروم في بلاد الأندلس، وأدخلوا إليها كثيرا من النباتات والفواكه التي لم تكن بها، مثل الأرز والقمح وقصب السكر والمشمش والخوخ والبرتقال والرمان، وقد حفر المسلمون الترع والقنوات، ونظموا وسائل الري وكان الرقى الزراعي أحد مفاخر أسبانيا الإسلامية [٣] .
وفي ميدان الصناعة ازدهرت صناعة النسيج والزجاج والنحاس والخزف والسيوف، وكثر استخراج الذهب والفضة والحديد والرصاص، وغيره من المعادن [٤] . وكان ما تنتجه الأندلسي من مزروعات وفواكه ومصنوعات يفيض عن حاجة سكانها.