ثم أخذ سلاطين الأيوبيين والمماليك من بعدهم ينتزعون المدن الإسلامية من أيدي هؤلاء المغتصبين مدينة بعد أخرى حتى انتزع السلطان المملوكي الأشراف خليل (٦٨٩-٦٩٣ هـ) مدينة عكا أخر معقل لهم في الشرق سنة ٦٩٢ هـ[٢٧] وبذلك قضى على مملكة الصليبيين القضاء الأخير.
وكان الأثر الحضاري لهذه الحروب فنيا وصناعيا وتجاريا أكثر منه علميا أو أدبيا؛ فقد كان الأوروبيون الذين أقاموا في الشام في الإمارات التي أنشئوها يعيشون داخل حصون وسكنات عسكرية، وكان اتصالهم بالزراع الوطنيين والصناع أكثر من اتصالهم بالطبقة المثقفة. على أنهم مع ذلك استفادوا علميا، وإن كانت استفادة محدودة فقد نقل أحد علماء مدينة بيزة الكتاب الطبي المشهور "كامل الصناعة الطبية"لعلي بن العباس المعروف بالمجوسي نسبة إلى أحد أجداده الذي كان يدين بالمجوسية قبل أن يعتنق الإسلام وترجم فيليب الطرابلسي مخطوطا عربيا في الفلسفة والأخلاق يسمى "سر الأسرار"يقال إن أرسطو ألفه لتلميذه الإسكندر المقدوني.
كما كان من أثر الحروب الصليبية العلمي اهتمام الأوروبيين بتعلم اللغة العربية؛ لأنهم وقد فشلوا في نشر الديانة المسيحية بحدّ السيف رأوا أن تعلم اللغة العربية يمكنهم من التخاطب مع الشرقيين ونشر المسيحية بينهم باللين والإغراء [٢٨] .
على أن إنشاء المستشفيات ومعالجة المرضى فيها لم يعرف في أوروبا قبل الحروب الصليبية؛ مما يرجح أن هذا النظام منقول عن الشرق الإسلامي، بعد أن شاهد الأوروبيون المستشفيات فيه أثناء الحروب الصليبية، كما يرجح أيضا أن نظام الحمامات العامة الذي انتقل إلى أوروبا بعد الحروب الصليبية منقول كذلك بواسطتها.