وقد كان أثر الحروب الصليبية في نقل الفنون الحربية إلى أوروبا واضحا؛ فقد تعلم الصليبيون من المسلمين استخدام حمام الزاجل في نقل الأخبار الحربية [٢٩] كما اقتبسوا منهم الاحتفال بالانتصارات بإشعال النيران، ولعبة الفروسية المعروفة باسم "الجريد"، وكذلك نقلوا عنهم اتخاذ الشعارات ونقشها على الأسلحة والخوذات، وكان اتخاذ الشعارات معروفا عند المسلمين، فقد كان صلاح الدين يلبس خوذة عليها رسم النسر، وكانت خوذة الظاهر بيبرس على شكل أسد كخوذة ابن طولون من قبل، ولم يكن ذلك معروفا في أوروبا قبل الحروب الصليبية.
وفي مجال الزراعة والصناعة والتجارة نقل الصليبيون العائدون إلى أوروبا كثيرا من النباتات وأشجار الفواكه مثل السمسم والبصل والأرز والبطيخ والبرقوق والليمون، كما حملوا معهم حين عودتهم البسط والسجاجيد والمنسوجات، وبدأت تظهر في أوروبا مصانع الآنية والبسط والأقمشة تقليدا للمنتجات الشرقية، ووجدت سوق أوروبية جديدة للمنتجات الزراعية الشرقية، والسلع الصناعية مما ساعد على نشاط التجارة الدولية التي كانت قد ركدت منذ سقوط الدولة الرومانية الغربية في القرن الخامس الميلادي [٣٠] .
السفارات بين دول أوروبا والدول الإسلامية
حدثت اتصالات بين دول أوروبا والدول الإسلامية في العصور الوسطى كان لها أثر- ولو ضئيل- في نقل حضارة المسلمين إلى أوروبا. فيحدثنا التاريخ أنه عندما يئس الخليفة أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء العباسيين من مدّ سلطانه إلى بلاد الأندلس التي أَسس فيها الأمير الأموي عبد الرحمن بن معاوية بن هشام إمارة أموية.
عندما يئس أبو جعفر من التغلب على هذا الأمير بالقوة لجأ إلى سلاح سياسي يستعين به على الوصول إلى غرضه فأراد التحالف مع "ببن" ملك الفرنجة على طرد الأمويين من الأندلس.