وتتضمن هذه الآيات الكريمة حث كفار مكة الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، على السير في الأرض لينظروا عاقبة الذين كذبوا الرسل من قبلهم، فقد دمّر الله عليهم بذنوبهم، وكانوا أكثر منهم عددا وأشد قوة وأوفر عامرانا للأرض، فليعتبروا بمن قبلهم، قبل أن يصيبه ما أصابهم، فالله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء، في السموات ولا في الأرض.
ومعنى همزة الاستفهام في هذه الصيغة:(ألم يسيروا ... ) ، الإنكار والتوبيخ: ينكر الله سبحانه وتعالى على هؤلاء الكفار الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم ألاّ يسيروا في الأرض سيراً يصحبه التدبر والاعتبار، والتفكير في عاقبة الذين كذبوا الرسل من قبلهم، ويوبخهم على ذلك.
والفاء والواو اللتان جاءتا بعد همزة الاستفهام في هذه الصيغة هما حرفا عطف على ما قبل الهمزة، فكان من حقهما أن يتقدما عليها، ولكن همزة الاستفهام لها الصدارة في جملتها، فتقدمت عليها، وأخذت مكان الصدارة. والعطف على ما قبل الهمزة هو مذهب سيبويه والجمهور.
ويرى فريق من النحويين على رأسهم الزمخشري أن الفاء والواو في مثل هذا الموضع تعطفان على مقدر يقتضيه المقام، وقد قدره أبو السعود في تفسيره فقال:((أغفلوا فلم يسيروا)) (جـ٦/ص١١١) . ((أقعدوا في أماكنهم ولم يسيروا)) . (ج ٧/ص٥٢) وهو تقدير متكلف لا يحتاج إليه المعنى، ولا يستدعيه الأسلوب.
ويرى هذا الفريق أن كلاّ من الهمزة والعاطف الذي بعدها قد جاء في مكانه الأصلي وليس هناك تقديم ولا تأخير. وقد تقدم الكلام مفصلا في ضعف هذا الرأي.