من هذه الأشياء أن متعلق العلم في آيات الصيغة الثامنة:((ألم تعلم أن ... )) وفي آيات الصيغة التاسعة: ((ألم يعلموا أن....)) قد جاء مؤكدا بأن، ولا غرو في ذلك، فهو يتضمن صفات الله سبحانه وتعالى: وأفعاله جلّ وعلا، وقد جاء التوكيد اهتماماً بها ومزيد عناية.
ولعلك تلاحظين أن الفعل المضارع (يعلم) جاء متعديا بالباء في قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} ، وقد جاء هذا التعدي بالباء في آية أخرى وهي:{يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} الآية (٢٦) من سورة يسن. ولا أعلم أن هذا الفعل قد تعدى بالباء في غير هاتين الآيتين من آيات القرآن الكريم. وقد تسألين: لماذا تعدى هذا الفعل بالباء في هاتين الآيتين، وهو الفعل القويّ الذي يتعدى إلى معموله مباشرة دون حاجة إلى هذه الباء، من الحق أن يقال إنه من باب التفنن في التعبير، ولكن نفسي غير مطمئنة إلى الاكتفاء بهذا، وإن كان فيه الكفاية.
أحس- والحس يخطئ ويصيب- أن هذه الباء قد جاءت لتقوية الصلة بين الفعل ومعموله وتوكيدها، والمقام في هاتين الآيتين يستدعى ذلك: فالآية الأولى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} تتحدث عن أبي لهب الذي يعمل عمل من ينكر علم الله بأنه يراه ويرى ما يصنع، والآية الثانية:{يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} تحكي قول الذي آمن بالرسل حين قيل له ادخل الجنة، فقد كان حريصا على أن يعلم قومه الذين كفروا بالرسل، وعنفوه على إيمانه بهم، أن يعلموا بما غفر الله له، وبدخوله الجنة، ليتبينوا أنه كان على حق، وأنهم كانوا على باطل، وليزدادوا حسرة على حسرة وندامة على ندامة، ولشيء آخر غير ذلك؛ هو ما ركب في طباع البشر من أن من أصاب خيرا في غير وطنه ودّ أن يعلم بذلك جيرانه وأترابه الذين نشأ فيهم.