للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا، ولعلك قد لاحظت في قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} أن مفعول (يرى) قد حذف، ولم يقل (يراه) ؛ هذا الحذف يمكن أن يقال فيه بحق: إنه للتناسب؛ تناسب أواخر الآيات. وفي هذا التناسب، خفة على اللسان وجرس جميل في الآذان، وما أكثر ما جاء هذا في القرآن الكريم.

على أنني أريد أن أزيد على ما تقدم أن هذا الحذف كان أيضا للدلالة على شمول الرؤية وإطلاقها، وأنها ليست مقصورة على روية أبي لهب، وما يصنع، فالله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.

ومن الأشياء التي أحب أن أنبهك عليها هذا الضمير الذي جاء اسم لأن الواقعة بعد ((يعلموا)) في قوله تعالى {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} .

لقد اصطلح أهل النحو على أن يسمّوا هذا الضمير ضمير الشأن، أو ضمير القصة وهو ضمير مبهم لا يتقدم عليه مرجع يزيل إبهامه، فهو لهذا يثير النفس ويبعث فيها الرغبة، والتطلع إلى ما بعده، فإذا جاء ما بعده يوضع معناه، ويزيل إبهامه؛ تلقته النفس في لهفة واستقبلته على شوق، فتعيه على غير شرود ذهن، وعلى حضور قلب، ويستقر في أعماقها على مكنة وثبات.

ولذلك يؤتى بهذا الضمير بين يدي الجمل التي تشتمل على معان عظيمة، أو أحكام جديرة بالتذكير والتحذير، ومعاداة الله ورسوله ذنب ليس بعده ذنب، وجزاؤهما عذاب جهنم الذي لا يزول. ومثل هذا حقيق بأن يعلم، خليق بأن يفهم، قمين بأن يمهّد له بهذا الضمير، ضمير الشأن، الذي يدلّ على أن ما بعده مهم له شأن.

ومن هذه الأشياء: هذا الضمير الذي جاء بعد اسم الجلالة وقبل الفعل المضارع (يقبل) في قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} .