وبيان ذلك: أن الأمانة لفظها يشمل كل ما ائتمن الله تعالى عليه عباده المؤمنين من سائر التكاليف؛ وهى أعمال القلوب والألسن والجوارح، فإذا أدى كل فرد ما التزم به مما ائتمنه الله تعالى عليه استقامت الحياة للناس كلهم وسعدوا أجمعون. وبما أن الضعف فطرى في الإنسان {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً} فإن وجود ظلم أو حيف من بعض الأفراد من أهل الأمانات ضروري حسب طبيعة الحياة الإنسانية، فإذا وجد الحكم العادل وكان خلقا لكل مؤمن، فما يحكم أحدٌ في شيء إلا تحرى العدل وحكم به، تلافى المؤمنون ذلك الضعف في حياتهم الإيمانية، فكملوا وسعدوا. والكمال والسعادة في الدنيا آية الكمال في الآخرة والسعادة فيها. كما أن النقص والشقاء في الدنيا علامة الشقاء والنقص في الحياة الآخرة.
عنايَة الشارع برعاية الأمانة والعدل:
لما كانت الحياة السعيدة وهي الآمنة المطمئنة لا تتوفر إلا في أجواء الأمن والعدل الكاملين، كانت عناية الشارع بهذين الخُلُقين كبيرةً جداً، ففي القرآن الكريم، تذكر الأمانة في موضع منه،وأنها عامة في سائر التكاليف الشرعية، فكل شيء في حياة المؤمن أمانة يجب رعايتها "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"فالمؤمن مسئول عن قلبه لا يسمح للشيطان أن يحتله عليه فيفسده عليه ولا يخرج منه، مسئول عن بدنه بكل حواسه لأنه الآلة التي بها يعبد ربه، فإذا فرَّط في جزء منه تعطلت المهمة التي خلق لها وهى العبادة. وموضع هذه الآية المفيدة لعموم الأمانة هي قوله تعالى من سورة الأحزاب:{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} .