وأما تأثيره فيمن بعده، وخصوصاً شعراء أبولو الذين ذكرهم مندور- فهو ضئيل لا يرقى به إلى الريادة والإمامة، ذلك أنه لم ينجح في إشاعة ما دعا إليه بين الشعراء، ولم تتكون له مدرسة شعرية على نحو ما تكون للبارودي ولشوقي من بعده، وشعراء أبولو كانوا في معظمهم على قدر وافر من الثقافة الإنجليزية، وقد تأثروا بمدارسها الشعرية مباشرة، وتأثر بعضهم بالديوانيين الثلاثة- العقاد وشكري والمازني-. ولعل الديوانيين هم أقرب من قرأ شعر خليل مطران، والتقوا معه في عدد من مفهومات الشعر. والمعروف أن مصادر مطران الفرنسية تلتقي مع الرومانسية الإنجليزية التي تأثر بها الديوانييون- وتوجه الشاعر نحو ذاتية التعبير والاهتمام بالخيال والتخلص من القيم الفنية الكلاسيكية.
تحديث الديوانين:
يطلق الدارسون اصطلاح الديوانيين على الشعراء النقاد الثلاثة: عبد الرحمن شكري وعباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني، وهؤلاء الثلاثة هم الذين تركوا بصمات عميقة في تطوير عدد من عناصر الشعر العربي الحديث، وجاءوا بخيوط كثيرة من الحداثة تنظيراً وتطبيقاً.
وكان أسبقهم إلى التحديث عبد الرحمن شكري، الذي نشر دواوينه الشعرية قبل زميليه، وضمنها عددا من آرائه الجديدة، ثم شاركها في إصدار بعض المقالات النقدية التي تدعو إلى التحديث وتنتقد معظم القيم الشعرية في شعر المحافظين، ثم انفصل عنهما، واقتصر على كتابة الشعر وعدد قليل من المقالات، على حين أصدر العقاد والمازني كتاب ((الديوان)) الذي ضم خلاصة القيم الحديثة التي يدعون إليها، وأحدث ضجة كبيرة. وبعد أقل من عقد من الزمن خفت قوة الاتجاه، إذ هدأت حدة المازني في النقد، وسكت صوته في الشعر، وغاب عبد الرحمن شكري عن الأنظار، لا يظهر من شعره إلا قصائد قليلة تنشر على فترات متباعدة، وظل العقاد وحده يصدر دواوينه ويتابع حملاته النقدية العنيفة.