وعندما نرجع إلى ديوانه نحسّ أنه أكثر شعراء جيله تأثرا بالثقافة الفرنسية، فقد ترجم قصائد كثيرة من شعرها، وناقشها، وعارضها وتأثر بها، وتنبه إلى بعض القيم الفنية في الشعر الفرنسي، ودعا الشعراء العرب إلى الأخذ بها، واهتم بوحدة القصيدة ودعا إليها، وإلى عدد من القيم الشعرية التي لم تكن سائدة بين معاصريه، فقال في مقدمة ديوانه:((هذا شعر ناظمه لا تحمله ضرورات الوزن أو القافية على غير قصده، يقال فيه المعنى الصحيح باللفظ الصحيح، ولا ينظر قائله إلى جمالا البيت المفرد ولو أنكر جاره وشاتم أخاه ودابر المطلع وقاطع المقطع وخالف الختام، بل ينظر إلى جمال البيت في ذاته وفي موضعه، إلى جمال القصيدة في تركيبها وفي ترتيبها وفي تناسق معانيها وتوافقها، مع ندور التصور وغرابة الموضوع ومطابقة كل ذلك للحقيقة وشفوفه عن الشعور الحرّ وتحري دقة الوصف واستيفائه فيه على قدر)) [٤] .
ويبدو في تقويمه هذا أن الشعر في مفهومه تعبير نفسي تتجلى فيه الوحدة الفنية الموضوعية، وأن قواعد الحزن والقافية إنما هي لخدمة معاني الشاعر. وإشارته هذه إلى وحدة القصيدة هي- فيما أعرف- أول إشارة إلى قضية وحدة القصيدة في العصر الحديث، وقد طبقها في بعض قصائده الشعرية، ولا سيما في القصائد القصصية.
على أنه لم يستطع أن يحقق- في معظم شعره- ما نادى به في مقدمة ديوانه فصياغته تكاد تداني الصياغة التقليدية- ولعل مقدمته النثرية للديوان كما يرى القارئ توحي بذلك أيضاً- وهي متأثرة بالأساليب العربية القديمة إلى حد بعيد، مع تفاوت ملحوظ في الجزالة، كما أن موضوعات شعره تترواح بين بعض الموضوعات الوجدانية- كالتأمل والغزل والشكوى ... وبين الموضوعات التقليدية العتيقة، كالمدائح والمراثي وشعر المناسبات.