ولا شك أن الديوانيين جاؤوا الشعر العربي بعدد من القيم الفنية الأصيلة، استمدوا معظمها من الشعر والنقد العربي بعامة، والإنكليزي بل والرومانسي الإنكليزي بخاصة، وأفادوه في عدة جوانب، منها: إعادته إلى التعبير عن الوجدان الفردي في إخلاص وصدق، وقد عاش الشعر العربي من قبل فترات على هذه الشاكلة، في شعر بعض الشعراء الجاهليين وفي قصائد الغزليين والصوفيين وعدد من الشعراء أصحاب الاتجاهات الفردية؛ كابن الرومي وأبي العلاء وأبي فراس والمتنبي في غير مدائحه، ولا يكاد عصر من العصور يخلو من هذا الشعر. لذلك فإن دعوة الديوانيين إلى هذا اللون من الشعر ليست جديدة على الشعر العربي في تاريخه الطويل، ولكنها ليست دعوة نابعة من صور الشعر الوجداني في تاريخ الشعر العربي ... ولا يمكن إلا أن تكون متأثرة إلى حد كبير بالاتجاه الرومانسي الغربي، كما أنها تحمل عناصر مغايرة لما كان سائدا ً بين شعر المحافظين....
ولعلنا بهذا التفسير نجد إجابة مقنعة للتساؤل الذي يثور في ذهن من يقرأ آثار الديوانيين: لماذا تفوقت دعوتهم النظرية على تطبيقهم العملي؟.
ولا يخفى على القارئ أن شعر الديوانيين- ولاسيما العقاد ثم المازني- لا يحقق أحياناً المبادئ التي دعوا إليها، ولا يخلو من المعاني والموضوعات والمشكلات التي هاجموها بشدة. والطريف أن العقاد نفسه وقع مرة في الفخ الذي أوقع فيه أمير الشعراء أحمد شوقي من قبل، وأن الدكتور محمد مندور كان له بالمكيال نفسه الذي استخدمه في نقد شوقي، فأخذه بجريرة تفكك القصيدة وضياع وحدتها العضوية.
ولعل عبد الرحمن شكري أكثر زملائه تطبيقا للمبادئ الجديدة.