ولكن العقاد تراجع عن رأيه هذا بعد ثلاثين سنة، وقرر أن انتظام القافية متعة موسيقية تخف لها الآذان، وانقطاع القافية بين بيت وبيت شذوذ يحيد بالسمع عن طريقه الذي اطرد عليه. ودعا إلى حلٍّ وسط يسمح بتنويع القافية في القصيدة دون أن يلغيها [٨] .
تلك هي أهم معالم الحداثة في حركة الديوانيين، وقد عزا النقاد هذه المعالم إلى القيم الرومانسية الغربية، والإنجليزية بالذات- التي أثرت في الديوانيين، فيرى الدكتور محمد مندور (أن المنهج الشعري الذي اختارته هذه المدرسة ودعت إليه هو نفس المنهج الذي صدر عنه جامع ((الكنز الذهبي)) في اختيار ما اختار من الشعر الغنائي الإنكليزي) [٩] . ويذهب الدكتور محمود الربيعي إلى أنهم نقلوا المبادئ التي دعوا إليها بدقة عن النقد الإنكليزي، في حين قام دارس آخر بالبحث عن مصادر آراء العقاد في كتابات الشعراء والنقاد الرومانسيين في أوربا وأمريكا، وعقد مقارنات طريفة وقيمة تؤكد هذا النقل [١٠] .
ولم ينكر الديوانيون تأثرهم بالرومانسيين الغربيين شعراء ونقادا- بل أعلنوا على الأشهاد، أنهم تأثروا بهم واستفادوا منهم، وأخذوا أفضل ما عندهم، دون أن يحصروا أنفسهم في آثارهم. وقد مر بنا قبل قليل تصريح العقاد عن تأثره وزميليه بالشعر الإنجليزي وغيره، ولكنه دفع بقوة شبهة التقليد، وقرر أنهم كانوا في موقع الاختيار لا التبعية.