للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليعلم الأستاذ (العطار) أن أحدا من السلف، أو الخلف من العلماء، أو العامة لم يقل بمشروعية صيام اليوم الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أصلا، حتى يقول بأن النبي عليه الصلاة والسلام قد صامه وأمر بصيامه.

ولا أعرف كيف راق له أن يخالف جماعة المسلمين بإبداء رأيه حول تحديد ذلك اليوم، زاعما أن المحدثين اختلفوا في تحديده، وليس كذلك، بل يجزم خلافهم على النحو الذي ذكره، وإنما الخلاف وقع بينهم في صيامه أو صيام اليوم التاسع من شهر محرم.

واللغة لا تساعد على ما ذهب إليه الأستاذ الباحث، ولا العقل؛ لمخالفة ذلك ما عليه المسلمون جميعا دون استثناء.

وأحسب أن ما وقع فيه كان بسبب الفاء في حديث "قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء.. فصامه وأمر بصيامه" وأمثاله من الأحاديث. وباعتماده على ما حققه الفلكي المصري، بتحديد اليوم الذي نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى عليه السلام.

فالأمر في ذلك واضح، فإما أن يكون الصحابي راوي الحديث حكى حال اليهود وفعلهم في ذلك اليوم، عند مقدمه عليه الصلاة والسلام، وإمّا أن يحمل التعقيب الذي أفادته الفاء على التعقيب النسبي؛ كقولهم بعث الله موسى فعيسى فمحمد عليهم السلام، وشتان ما بينهم من الزمن.

ولعل صيام اليهود تلك السنة وافق يوم عاشوراء من أوّل السنة التي تلت مقدم النبي عليه الصلاة والسلام المدينة، وهو ما يؤيد الاحتمال الأول، ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (فحينئذ كان الأمر بذلك- يعنى صيام عاشوراء- في أوّل السنة الثانية) يعني من الهجرة، ولا يخفى على الأستاذ أن الله تعالى قد تعبدنا- معشر المسلمين- بالأشهر القمرية، وليس لحساب الأيام أي اعتبار عندنا، اللهم إلا إذا خفي الهلال فعدة الشهر ثلاثون يوما.