- قال الأكثرون: إن السمع أشرف من البصر وكانت حجتهم: أن الله تعالى ذكر السمع في القرآن قبل البصر.. وأن السعادة كلها تكون باتباع الرسل والإيمان بما جاءوا به وهذا لا يدرك إلا بالسمع. وأن العلوم الحاصلة بالسمع أضعاف أضعاف العلوم الحاصلة من البصر كذلك فإن فقد السمع يوجب، ثلم القلب واللسان، ولهذا كان الأطرش خلقة لا ينطق في الغالب ... وأما فقد البصر فربما كان مفيدا من ناحية قوة إدراك البصيرة، وشدة ذكائها، لهذا نجد كثيرا من العميان عندهم من الذكاء والفطنة مالا تجده عند البصير حيث أن تقلب البصر في الجهات ومباشرته للمبصرات على اختلافها يؤدي إلى تفريق القلب وتشتيته ولذلك كان الليل أجمع للقلب، والخلوة أعون على إصابة الفكرة ... ولهذا كان كثير من العلماء والفضلاء وأئمة الإسلام مكفوف البصر لكن لا أعرف أن فيهم الأطرش....
- واحتج عليهم فريقا آخر بأن أفضل نعيم أهل الجنة هو النظر إلى وجه الله تعالى في الدار الآخرة وهذا لا يدرك إلا بالبصر، ولا توجد حاسة في العبد أكمل من حاسة تراه بها ... ثم قالوا إن كل ما ينال بواسطة السمع إنما هو وسيلة لهذا المطلوب الأعظم فتفضل السمع على البصر كفضيلة الغايات على وسائلها..
وهنا يحسم المشكلة شيخ الإسلام ابن القيم بقوله (إن إدراك السمع أعم وأشمل وإدراك البصر أتم وأكمل فهذا له التمام والكمال وذاك له العموم والشمول فقد ترجح كل منهما على الآخر بما اختص به) ... ثم استطرد قائلا (إن تقديم السمع على البصر له سببان:
أولا: أن يكون السياق يقتضيه بحيث يكون ذكرها بين الصفتين متضمنا للتهديد والوعيد أي أني أسمع ما يردون له عليك وما يقابلون به رسالتي وأبصر ما يفعلون.