للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيا: أن إنكار الأوهام الفاسدة لسمع الكلام مع غاية البعد بين السامع والمسموع أشد من إنكارها لرؤيته مع بعده ... وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال اجتمع عند البيت ثلاثة نفر ثقفيا وقرشي أو قرشيان وثقفي فقالت أحدهم أترون الله يسمع ما نقول فقال الآخر يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفين، فقال الثالث إن كان يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا. ولم يقولوا أتروننا الله يرانا. فكان تقديم السمع أهم والحاجة إلى العلم به أمسّ. كذلك فإن حركة اللسان بالكلام أعظم حركات الجوارح وأشدها تأثير في الخير والشر والصلاح والفساد بل عامة ما يترتب في الوجود من الأفعال إنما ينشأ بعد حركة اللسان، فكان تقديم الصفة المتعلقة به أهم وأولى. وبهذا يعلم تقديم السميع على العليم فقال تعالى: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .

وإن الأذن خير شاهد على عمل الإنسان:

يقول تعالى في سورة فصلت ١٩- ٣٤: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِين فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ}