للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبهذا البيان الرائع، والبراهين الدامغة الموجزة اهتدى من أرد الله هدايته، وبقى على عماه وصممه وإعراضه من أراد الله خذلانه، وحق عليهم ما قالوه عن أنفسهم: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} (فصلت: الآية هـ) وما أخبر به سبحانه: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (البقرة: الآية ٧)

وقد سلك القرآن في الرد عليهم مسلكين:

أحدهما: تأكيد أن البعث واقع، وقوة هذا التوكيد ترجع إلى أن القرآن أعجزهم، فثبت بذلك صدقه، وأنه من عند الله، فطبعي أن يكون صادقا في كل ما أخبر به، وكان يخبر دون قسم تارة، وبالقسم تارة أخرى.

فمن الأول قوله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أو آباؤنا الأولون قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} (الصافات: الآيتان ١٥، ١٦) ، ومن الثاني قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنّ} .

ثانيهما: إيراد الحجج التي بلغ من قوتها ووضوحها أن تفضح من ينكرها، وتدعه أحد رجلين إما إنسان مصاب في عقله، وإما إنسان مكابر.

وقد كثرت هذه الحجج في القرآن، بل فاقت ما أورد من حجج في قضايا أخرى لعلها أهم من قضية البعث.

قال الفخر الرازي عند تفسيره لقوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} . قال الفخر: "إن الله أقسم كثيرا على وقوع البعث، وقليلا على الوحدانية والنبوة، وذلك لأن دلائل الوحدانية كثيرة، وشواهد النبوة كثيرة أيضا، وأما الحشر فيمكن ثبوته بالفعل، ولكن لا يمكن وقوعه إلا بالسمع، فلذلك أكثر من القسم عليه ... "