واستبعدوا أن يعودوا للحياة بعد أن يصيروا عظاما ورفاتا وترابا:{قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}(الصافات: الآية ١٦){وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً}(الإسراء: الآية ٤٩) ..
وسخروا سخرية بالغة من الرسول الذي أكد لهم أمر البعث، والعودة إلى حياة أخرى بعد الموت:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ}(سبأ: الآية ٧) .
وإذا كانوا- كما أخبرت عنهم هذه الآية- اتهموا الرسول بالافتراء على الله، أو بأن به مسًا من الجنون، فإنهم في موقف آخر زعموا أن إخبارهم بالبعث سحر وأي سحر:{وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ}(هود: الآية ٧) .
إلى أقوال ومزاعم أخرى أخبرنا بها القرآن الكريم عنهم. فهم- إذًا- رفضوا قضية البعث رفضا باتاً، وعبروا عن رفضهم هذا بأساليب مختلفة، وركبوا في إنكارهم متن عشواء، فكان لابد أن يأتي القرآن بما يكشف الأغطية عن عيونهم، ويرفع الأكنَّة عن قلوبهم، ويزيل الحجب التي حالت بينهم وبين تصديق الرسول، ويذيب الوقر الذي سدَّ آذانهم، وكان هذا كله يقتضي من غير القرآن جدلا طويلا، وحججا مسهبة، وبراهين ما تكاد تنتهي حتى تبدأ، ولكن القرآن- وهو المعجزة الخالدة- لم يزد في بعض الآيات عن كلمة واحدة، وإن كان في بعضها الآخر يذكر أكثر مِنْ حجة، ولكنه لا يخرج عن حد الإيجاز المعجز.