للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد كانوا مقرِّين بأن الله هو الذي خلقهم، فحين يحجهم بأنه خلقهم إنما يحجهم بشيء لا ينكرونه، ولا يجادلون فيه، قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} . (الزخرف: الآية ٨٧) .

(نسي خلقه) كلمتان فيهما القول الفصل، والبرهان القاطع، وقد وضح القرآن بعض التوضيح هذه الحجة في قوله تعالى: {وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً أَوَلا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} (مريم: الآيتان ٦٦، ٦٧) .

فهناك نسي (نسي خلقه) ، وهنا استفهام توبيخ وتقريع: (أو لا يذكر) .

ثم في هذه الآية الأخيرة إضافة جديدة، وهي معلومة لهم، ولا يحتاجون إلا لمجرد التذكر: {خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} ، فهو من عدم، والذي ينشئ من العدم يقدر على الإعادة والمادة قائمة: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (الأعراف: الآية ٢٩)

قال السيد رشيد رضا تعليقا على هذه الجملة القصيرة التي تضمنت برهانا قاطعا: "وهذه الجملة من أبلغ الكلام المعجز، فإنها دعوى متضمنة للدليل بتشبيه الإعادة بالبدء، فهو يقول: كما بدأكم ربكم خلقا وتكوينا بقدرته تعودون إليه يوم القيامة".

وقد ذكر المفسرون في قصة الآية الكريمة: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ} أن أبَى ابن خلف أو غيره من مشركي قريش قال. (ألا ترون إلى ما يقول محمد إن الله يبعث الأموات، واللات والعزّى لأصيرن إليه ولأخصمنه، وأخذ عظما باليا فجعل يفتّه، ويقول: يا محمد. أترى الله يحي هذا بعد مارمَّ؟ ! فقال -صلى الله عليه وسلم-: نعمْ يبعثك، ويدخلك جهنم، فنزلت) .