للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومع هذه الحجة الحاسمة لفت القرآن أنظارهم بقوة إلى براهين أخرى، يكفى النظر العابر للاقتناع بها، وفى إيجاز ووضوح أيضا: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} (يس: الآيتان ٧٩، ٨٠) حجتان واضحتان: {يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} وهذه توضيح لما أجمل قوله: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} . فالذي ينشئ- وهم معترفون بذلك- قادر على الإعادة.

وهو: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً} ومن المعلوم أن الماء يضاد النار وأن الخضرة- بالبديهة- لا تجتمع مع اليبوسة، قال العلامة النسفي: (فمن قدر على جمع الماء والنار في الشجر قدر على المعاقبة بين الموت والحياة في البشر، واجراء أحد الضدين على الآخر بالتعقيب أسهل في العقل من الجمع بلا ترتيب) . وقال العلامة أبو السعود: (فمن قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيته كان أقدر على إعادة الغضاضة إلى ما كان غضا تطرأ عليه اليبوسة والبلى)

تم أعقب القرآن الكريم هاتين الحجتين بحجة جامعة مانعة: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ} .

هم مقرون بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض: كما أخبر القرآن عنهم بذلك: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} (الزخرف: الآية ٩) .