ومن تمام الحجة، بل قومها أن يكون من تحجّه معترفا بالمقدمة التي تبنى عليها النتيجة. ثم من البدهي أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس في الحقيقة، وفي مرأى العين عند التأمل كما قال تعالى:{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}(غافر: الآية ٥٧) .
ومن الرائع في هذه الحجة الثالثة صياغتها في أسلوب سؤال وجواب.
أما ما جاء في الآية الأخرى:((وهو أهون عليه)) فهو منتهى الإلزام للمعاند، ذلك أن مجرد القدرة على الإعادة بعد النشأة الأولى حجة في ذاتها، فإذا أضيف إليها أن العقول السليمة تدرك بالنظرة العابرة أن الإعادة أهون وأيسر من البدء ولله المثل الأعلى.
وقد ذكرت هذه الحجة في مواطن أخرى من القرآن الكريم:{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}(العنكبوت الآية ١٩) .
قال جار الله الزمخشري:" (ذلك) يعود إلى ما رجع إليه (هو) في قوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} من معنى (يعيد) ".
ومن ذلك قوله تعالى:{يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ}(ق الآية ٤٤) .
ومما لفت القرآن الكريم الأنظار إليه في شأن البعث حال الأرض تكون يابسة جرداء فينزل عليها المطر فإذا هي يانعة خضراء، وقد تكرر في القرآن ضرب هذا المثل، وجاء واضحا في آية (الحج) التي احتجت للبعث بخلق الإنسان، ومروره بأطوار مختلفة:{وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} .