قلت: هكذا العلم والتحقيق، وأما اتهامكم أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بالكذب قبل دراسة أحوال الرواة وظروفهم فهذا الشيء ينبئ عن عداوة شنيعة قبيحة في القلب، والله تعالى أعلم بها، وأما الجهل بحقيقة الحال أو وجود كلا الأمرين في الرجل، فالله تعالى أعلم به، وإني مع هذه النقول الكثيرة وقلة الإطلاع على ما قاله السلف في هذا الموضوع لا ادعي الصواب فيما نقلته واعتقدته من صحة هذا الحديث إسنادا ومتنا، وواقعة ولي حق أن أطمئن إلى أحد الطرفين في ضوء الحجة، فإني أدين الله تعالى بما ذهب إليه جملة كبيرة من أهل التحقيق والعلم من صحة هذا الإسناد والله تعالى أعلم بالصواب وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.
العلم.. والمثل العليا
إن الفصل بين الواقع الإنساني والمثل العليا، مهد للعلم المنشق عن الدين أن يزعم أنه يتعامل مع الموجود المادي الملموس، أي أنه لا يتعامل مع غايات الحياة وأهدافها ومقاصدها الرفيعة، وهكذا نجد أن كلّ نقد يوجه للدين الجزئي يمكن أن يوجه للعلم الجزئي كذلك، فالدين الذي يتجاهل الواقع البشري ويتعامى عن مشكلاته يتطابق مع العلم الذي يتعامى عن العقائد والمثل العليا ويفصلها عن الحياة. فإذا كان الأول يتجاهل الحياة الواقعية القائمة ويتجاهل خبرات الإنسان نفسها، فإن العلم القاصر عن المثل العليا يهبط إلى المادي الملموس والمسموع والمنظور، مجرداً من القيم الإنسانية، ويصبح سلعة تكنولوجيا يمكن لأي شخص أن يشتريها لأي غرض، ويصبح العلماء مرتزقة يتكسبون بالعلم في أي مكان، كما حدث لعلماء الإيمان الذي عملوا للأهداف النازية والشيوعية والأمريكية.