فنراه تبارك وتعالى يحشد في هذه الآيات عددا من الأدلة، المعنوية منها والحسية المشاهدة، التي تخاطب العقل وتستثير الوجدان.
أ- الأدلة المعنوية (العقلية) :
بين سبحانه وتعالى في الآية الأولى، أنه لا مكان لهذا الجحد، ولا وجه لذلك الاستبعاد، فإعادة الأجسام إلى ما كانت عليه أولا، بعد تمزقها واختلاطها بأجزاء الأرض من الأمور اليسيرة على القدرة الإلهية، ذلك أن إعادة الشيء المتفرق أجزاء، أو المستحيل عن صورته إلى صورة أخرى، كتحول الجسم البشري إلى صورة التراب مثلا، يتوقف على أمرين:
أحدهما: العلم بتلك الأجزاء المتفرقة، أو بتلك الصورة المستحيلة عن صورتها الأصلية.
ثانيهما: القدرة على إعادة تلك الأجزاء- أو تلك الصورة إلى حالتها السابقة وقد أوضحت الآية الكريمة أن علم الله شامل ومحيط، فهو تعالى يعلم أين ذهبت تلك الأجزاء وكيف تفرقت فقد عم علمه جميع الكائنات، صغيرها وكبيرها، حتى انتهى إلى حيث علم ما تنقص الأرض من أجساد الموتى، وتأكل من لحومهم وعظامهم، فإذا كان ذلك معلوما لله تعالى، ومكتوبا ومحفوظا، كما قال تعالى {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} فكيف يستبعد عليه إعادتهم –بعد حالتهم تلك- أحياء كما كانوا؟!.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: ما بين النفختين أربعون، قالوا: يا أبا هريرة، أربعون يوما، قال: أبيت. قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت. ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه فيه يركب الخلق [٣] .