فدل الحديث على نقص جسم الإنسان وتحلله، وذهابه في الأرض، إلا ذلك الجزء وهو عجب الذنب، الذي قيل أنه كحبة الخردل [٤] ، وفيه يركب الإنسان، فيبقى بعينه، والحديث على ظاهره عند جمهور العلماء. وقد خالف المزني فقال: إنّ ((إلا)) بمعنى الواو، أي وعجب الذنب أيضا يبلى. ورد قوله هذا بما جاء مصرحا به في رواية مسلم من أن الأرض لا تأكله أبدا. ونص الرواية في صحيح مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنّ في الإنسان عظما لا تأكله الأرض أبدا فيه يركب يوم القيامة" قالوا: أي عظم هو؟ يا رسول الله قال:"عجب الذنب"[٥] ذاك دليل العلم.
أما دليل القدرة على الإعادة، فقد بينته الآيات التالية لهذه الآية، وهى الآيات المشتملة على الأدلة الحسية المشاهدة، كخلق السماء، والأرض، فالقادر على خلقهما مع عظمهما، قادر على إعادة الإنسان الضعيف من باب أولى، ثم إن الإعادة للمعدوم الممكن، من الأمور الممكنة عقلا.
فالعقل لا يمنع من أن مَن قدر على إيجاد الشيء أولاً، قادر على إعادته بعد عدمه ثانيا فإن ذلك من الأمور الممكنة التي لا يستطيع العقل السليم إنكارها.
وبعد أن بين الله لهم شمول علمه، وإحاطته بالجزئيات والكليات –إذ أن العالم بجزئيات الأشياء لا تخفى عليه كلياتها- بين لهم سبب اضطرابهم في أمر البعث وأنه تكذيبهم للحق الذي جاءهم من خلقهم، إذ الأخبار عنه حق، والمخبر به صادق قال تعالى {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} أي مضطرب غير مستقر.