للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا المعدوم منقسم في علم الله إلى ما سبق له وجود، وإلى ما لم يسبق له وجود. كما أن العدم في الأزل ينقسم إلى ما سيكون له وجود، وإلى ما علم الله تعالى أنه لا يوجد، فهذا الانقسام في علم الله لا سبيل إلى إنكاره، والعلم شامل والقدرة واسعة، فمعنى الإعادة أن نبدل بالوجود العدم الذي سبق له وجود، ومعنى المثل أن يخترع الوجود لعدم لم يسبق له وجود. فهذا معنى الإعادة، ومهما قدر الجسم باقيا ورد الأمر إلى تجديد أعراض تماثل الأول حصل تصديق الشرع، ووقع الخلاص عن أشكال الإعادة، وتمييز المعاد عن المثل. وقد أطنبنا في هذه المسألة في كتابنا التهافت، ومسلكنا في أبطال مذهبهم تقرير بقاء النفس التي هي غير متحيز عندهم. وتقدير عود تدبيرها إلى البدن سواء كان ذلك البدن هو عين جسم الإنسان أو غيره، وذلك إلزام لا يوافق ما نعتقده. فإن ذلك الكتاب مصنف لإ بطال مذهبهم، لا لإثبات المذهب الحق) [٢١] . وقد أشار إلى هذا المعنى في كتاب الأحياء ج ٤ ص ٢١٣.

وأما القول الثالث: وهو أن المعاد جسماني، فقط، فهو مبنى على القول بأن الروح جسم لطيف سار في البدن. فالمعاد وهو كلّ من الروح والبدن جسم، فيكون المعاد جسمانيا فقط. ودليل أن الروح جسم قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: "إن الروح إذا قبض تبعه البصر". وفي رواية أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره، قالوا: بلى. قال: فذلك حين يتبع بصره [٢٢] نفسه"وقوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} (الفجر: آية ٢٩) .

فدل ذلك على أن الروح جسم يرى بالعين. كما أن الدخول في الأبدان ينافى التجرد، لأن المجرد يكون داخلا في البدن- لا بكونه جزء منه ولا قوة حالة فيه، وإنما هو عبارة عما ليس بجسم، ولا قوة حالة بالجسم، بل المجرد لا مكاني فلا يقبل إشارة حسية) [٢٣]