للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا القول الذي هو إعادة الجسم بعينه، ثم حلول الروح فيه، هو الذي دل عليه القرآن، وبين أنه واقع لا محالة، وذلك لأنه هو الذي استبعد المنكرون للبعث إمكانه.

الناحية الثانية: هل الإعادة عند القائلين بإعادة الجسم، عن عدم محض، أو عن تفريق؟

للعلماء في كيفية الإعادة بعد الموت مذهبان:

المذهب الأول: أن تنعدم أجزاء البدن انعداما كليا بحيث لا يبقى لها أثر أصلا، ثم أن الله تبارك وتعالى يعيد تلك الأجزاء بعينها بعد فنائها، ويوجدها إيجادا ثانيا، كما كانت أولا، ذلك أن الإيجاد الثاني للبدن بعد عدمه الطارئ عليه، كالإيجاد الأول، من حيث أنه ليس ممتنعا لذاته، ولا لشيء من لوازم ذاته، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} . فالموجود ثانيا، هو الموجود أولا أعيد بعينه، على وفق علمه تعالى، فهو بكل خلق عليم، وقد استدل القائلون بهذا الرأي بآيات من القرآن الكريم، كقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} .

وقوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} .

على معنى إنما الهلاك والفناء- إعدام عين الشيء وزواله، لا تغير صورته التي كان عينها في الدنيا إلى صورة أخرى مباينة لتلك الصورة.

المذهب الثاني: أن الأجزاء التي يتألف منها البدن، لا تنعدم، وإنما تتفرق فتكون متصورة بصورة التراب مثلا، وإنما الذي يزول عنها الحياة واللون، والهيئة والتركيب.

فإذا جاء يوم المعاد، جمع الله سبحانه وتعالى بقدرته تلك الأجزاء، المتفرقة وألفها تم أعادها كما كانت في الدنيا وذلك أن الأجزاء قابلة للجمع، والله سبحانه وتعالى عالم بجميع الأجزاء لأي بدن من الأبدان. لعموم علمه وإحاطته بكل شيء علما قال تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ} وقال تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [٢٤] .