للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه الآيات جميعا تحكي عن الجاحدين استبعادهم لإعادتهم بعد تفرق أبدانهم وتحولها عن هيئتها وتركيبها، وزوال صورتها الأصلية البشرية إلى الحالة التي وصلت إليها، إذ أصبحت أجزاء مختلطة بغيرها. وأبلغ تغير هو تحولها إلى صورة التراب بحيث لا يستطيع الإنسان تميز أجزائها من أجزائه، وليس في هذا دليل على الإعدام النهائي المطلق، وإنما هو دليل على التغير الكامل. لأنهم صاروا ترابا والتراب شيء موجود. وهو أصلهم الذي أنشئوا منه. ثم أُعيدوا إليه. وأخيرا يخرجون منه تارة أخرى، يقول تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} (طه: آية ٥٥) .

وهناك آيات أخرى هي نص صريح في موضوع الجمع، من الله تبارك وتعالى، يقول تعالى في سورة الحج. بعد ذكره دليل الإعادة.

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} .

ومعلوم أن الذي في القبور أجزاء الموتى بعد أن تفتت، واختلطت بأجزاء الأرض فالله قادر على تمييزها. ثم تأليفها إعادتها إلى حالتها الأولى.

وفي سورة القيامة آيتان صريحتان في جمع أجزاء الإنسان المتفرقة. بل إنهما أقوى دليل على ذلك وأبلغ دليل في تصوير القدرة الإلهية. يقول تعالى: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} (القيامة آية ٣) .