وإنني حين تدبرت قوله تعالى:{فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} بما تحمله من إثبات ونفي: الإثبات بالأمر باتباع ما أوحاه الله سبحانه من شرع، والنفي بالنهى عن اتباع أهواء الجهال المارقين عن أمر الله، حين تدبرت ذلك جال بخاطري قوله تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} وما ماثلها من الآيات بما تحمله كذلك من نفى وإثبات: النفي بأن يُكفَر بالطواغيت أيا كان نوعها من البشر، وما يشرعون من مناهج هابطة، ومن الجبابرة منهم والطغاة، ومن الموتى وما يتوهم المتوهمون من تأثيرهم في حياة الخلق وتصريفها وتدبير أمرها. والإثبات بأن يُخلَص الإيمان بالله إلها واحدا، تُجَرَّد له الأعمال وحده جميعا.
فالنفي والإثبات في معنى (لا إله إلا الله) هو أساس الإيمان: نفى العبودية لغير الله سبحانه عبادة وتشريعا واثبات العبودية له سبحانه عبادة وتشريعا. وذلك على أساس الاعتقاد الجازم بأن الله هو وحده يتولى شأن كلّ من وحَّده، ويُصَرِّف أمره على أحسن وجه، ولهذا أمره تعالى بتوحيده ونهاه عن الإشراك به؛ لأنه سبيل إحباط كل عمل، كما أمره بإتباع شرعه وحده، ونهاه عن إتباع أي شرع يصدر عن غير الله الكبير المتعال؛ لأنه لا حياة طيبة للإنسان، ولا سعادة له، ولا فوز في الدارين إلا بإتباع منهج الله الذي ضمَّنهُ شرعه.