ويقول صاحب صفوة التفاسير: في معنى الآيتين: المعنى جعلنك يا محمد على طريقة واضحة. ومنهاج سديد رشيد من أمر الدين، فاتبع ما أوحى إليك ربك من الدين القيم ولا تتَّبع ضلالات المشركين؛ أي: آراء الجهال التابعة للشهوات وهم رؤساء قريش حيث قالوا: ارجع إلى دين آبائك. فهم لن يدفعوا عنك شيئا من العذاب إن سايرتهم على ضلالهم. وإن الظالمين يتولى بعضهم بعضا في الدنيا ولا ولي لهم في الآخرة، والله ولى المتقين أي ناصر ومعينٌ المؤمنين المتقين في الدنيا والآخرة [٣] .
وأقول: إن أعظم شريعة، وأوسع شريعة، وأكمل شريعة عالجت كلّ جوانب الحياة في الدنيا والآخرة، والتي تولى الله سبحانه وتعالى تشريعها تفضلاً، ورحمةً، وهدايةً لأقوم طريق، وأنجى سبيل، خاتمةً للشرائع التي أنزلها الله تعالى إنما هي شريعة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. ومن ثم كان أمره تعالى إليه بقوله:{فَاتَّبِعْهَا} بمعنى أن يلتزمها ويأخذ بها نفسه. ثم يدعو إليها الناس جميعا، ليلتزموها ويأخذوا بها أنفسهم كذلك منهجا لكل نواحي حياتهم لينالوا فوز الدارين.
ومن ثم يبين لنا أنه لا نجاة للبشرية من حمأة الضلال، ودركات الفسق ووهدة الإلحاد، إلا باطّراح ما شرع البشر من قوانين صماء عمياء لا تبصر ما يصلح للإنسان، وما يهيئ له الحياة الطيبة، والانطلاق سريعا إلى اتباع الله تعالى الذي يعلم من خلق وما يُصلِحُ حياته، وهو اللطيف الخبير. ذلك بأن الله جل وعلا يتولى أمر المتقين الذين يجعلون بينهم وبين غضب الله وقاية تقيهم عذابه فهو سبحانه وليهم، وناصرهم بالحق على الباطل وأعوانه، وأما الظالمون فقد وكلهم سبحانه إلى أنفسهم يتولى بعضهم أمر بعض، فضاعوا وخسروا في الدنيا والآخرة.