وأصل مادة «بدع» للاختراع على غير مثال سابق، ومنه قول الله تعالى {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي مخترعهما من غير سابق متقدم، ويقال ابتدع فلان بدعة يعنى ابتدأ طريقة لم يسبقه إليها سابق. ويربط الإمام الشاطبي بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي فيقول: ومن هذا المعنى سميت البدعة بدعة، فاستخراجها للسلوك عليها هو الابتداع، وهيئتها هي البدعة، وقد يسمى العمل المعمول على ذلك الوجه بدعة- فمن هذا المعنى سمي العمل الذي لا دليل عليه في الشرع بدعة، ثم يستمر بالتمهيد للتعريف ويذكر أقسام الحكم التكليفي الخمسة حتى يتوصل إلى أن من المنهيات ما يطلب تركه وينهى عنه؛ لكونه مخالفاً لظاهر التشريع من جهة ضرب الحدود، وتعيين الكيفيات، والتزام الهيئات المعينة، أو الأزمنة المعينة مع الدوام ونحو ذلك.
وهذا هو الابتداع والبدعة، ويسمى فاعله مبتدعا، ومما تقدم يستنتج الشاطبي تعريف البدعة في الدين فيقول:«فالبدعة إذًا عبارة عن طريقة في الدين مخترعة، تضاهى الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه» . ومعنى هذا التعريف -وهو جامع مانع-كما ترى. فالطريقة والسبيل والسنن ألفاظ مترادفة، وهو ما رسم للسلوك عليه، وإنما قيدت بالدين لأن صاحبها يضيفها إليه. وخرج بذلك الطريقة المخترعة في الدنيا كالصناعات مثلا فإنها لا تسمى بدعة في الدين بهذا القيد وإن كانت مخترعة.
ولما كانت الطرائق في الدين تنقسم إلى قسمين ... فمنها ما له أصل في الشريعة، ومنها ما ليس له أصل فيها.