قال القاضي عياض: اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر صلى الله عليه وسلم فيه، والكل في قضية واحدة، وكلها متقاربة، والجميع من عمل عسفان [٢١] . يشير القاضي عياض إلى رواية ابن عباس السابقة والتي تفيد أنه أفطر بالكديد. وهذه الرواية التي تنص على أنه أفطر بكراع الغميم وغير ذلك من الروايات، إلا أن هذه الاختلافات لا تأثير لها على الحكم؛ لأن هذه المواضع كلها كما قالت القاضي عياض: من عمل عسفان، وعسفان على سبعة مراحل من المدينة المنورة، وقد ظل صلى الله عليه وسلم صائما منذ خروجه من المدينة حتى أفطر قرب عسفان، ولا يمكن أن تعتبر هذه المسافة هي مناط الرخصة؛ لعدم وجود ما يدل على نفي الفطر فيما دونها، ولما ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عمل بالرخصة في الصلاة عند وصوله إلى ذي الحليفة، خارجا من المدينة، ومقدار المسافة التي تناط بها الرخصة في الصلاة والصوم واحدة.
الأمر الثاني: ما ورد من حديث أنس رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ (شعبة الشاك) صلى ركعتين"[٢٢] . وقد فهم منه أكثر العلماء: على أن هذه المسافة هي ابتداء العمل بالرخصة يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من المدينة إلى سفر بعيد كان يبدأ القصر للصلاة بعد مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ من المدينة [٢٣] ، وسيأتي لهذا الحديث مزيد بيان أثناء الكلام على رأي الظاهرية في تحديد مسافة القصر. إن شاء الله.