ويناقش مستند ابن حزم هذا، بأن لفظ السفر وإن جاء مطلقا في الكتاب الكريم، وفي السنة المطهرة، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوضح المراد منه، في منعه المرأة من السفر بدون زوج أو محرم ثلاثة أيام، حسب ما جاء في روايات أبي هريرة السابق، فعلم من ذلك أن أدنى المسافة التي يطلق عليها لفظ السفر، هي مسيرة هذه المدة من الزمن. وقد فهم كثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم هذا المعنى، فقد روى عبد الرزاق عن إسرائيل عن إبراهيم بن عبد الأعلى، قال: سمعت سويد بن غفلة يقول: إذا سافرتَ ثلاثا فاقصر الصلاة [٢٧] .
كما روى عن معمر عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كنت مع حذيفة بالمدائن فاستأذنت أن آتى أهلي بالكوفة فأذن.. وشرط على ألا أفطر، ولا أصلى ركعتين حتى أرجع إليه [٢٨] .
وعن مجاهد أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا سافرتَ يوما إلى العشاء فأتم الصلاة. فان زدت فأقصر [٢٩] .
وما يضعف قول ابن حزم رحمه الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى قباء والى أحد وإلى بني سلمة وإلى غير ذلك من المواضع حول المدينة، وكل هذه الأماكن على مسافة تزيد كثيرا عن الميل، ولم يثبت عنه أنه قصر الصلاة أو أفطر في رمضان حينما كان يخرج إلى أي من هذه الأماكن.
كما أن الصحابة رضي الله عنهم كانت لهم مزارع في الجرف والعقيق والغابة وغيرها، بل كان بعضهم يسكن الجرف والعوالي بل وذا الحليفة ولم يصل إلى علمي أن أحدا منهم قصر الصلاة أو أفطر حينما كان يأتي إلى المدينة.
الثاني: موقف الظاهرية: يرى الظاهرية- ما عدا ابن حزم- أن المسافة التي تتحقق بها الرخصة في الفطر والقصر، مقدارها ثلاثة أميال [٣٠] .
وقد استدل لهم بحديث أنس رضي الله عنه:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين" شعبة الشاك [٣١]