للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما رواه عبد الرزاق بسنده إلى أبي سعيد رضي الله عنه، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سار فرسخا نزل يقصر الصلاة" [٣٢]

ولعل حديث أبي سعيد قد بين المراد من أحد التقديرين اللذين تردد بينهما شعبة ورجح بأن المسافة التي كان يحدث فيها القصر، هي ثلاثة أميال؛ لأن الفرسخ الوارد في حديث أبي سعيد، مقداره ثلاثة أميال.

وهذا المستند وإن كان قويا، لأنه نص صحيح صريح في الموضوع إلا أن المناقشة التي أشرنا إليها من قبل- والتي تتلخص في أن هذا المقدار كان بداية العمل بالرخصة. أي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا بدأ سفرا بعيدا ابتدأ القصر بعد مسيرة ثلاثة أميال- تقلل من شأن الاستدلال به، وتجعل الاعتماد عليه في القول بهذا التقدير، محل نظر.

وقد استبعد الحافظ ابن حجر هذا الاحتمال الوارد في المناقشة السابقة. وقوى هذا البعد بما جاء عند البيهقي، عن يحي بن يزيد الهنائي: قال سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة- يعنى من البصرة- فأصلى ركعتين حتى أرجع، فقال أنس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج ... الحديث [٣٣] .

يشير الحافظ بذكر هذا السياق: إلى أن أنس كان يقصد أن القصر كان يحدث ولو كان السفر قصيرا كثلاثة أميال.

لكن مع ذلك: فالاحتمال ما زال واردا، إذ يحتمل أن أنسا يريد من الرجل ألا يبدأ القصر إلا بعد ثلاثة أميال من المكان الذي خرج منه. ولم يرد ببيان مقدار مسافة القصر.

ومما يقوى هذا الاحتمال -في نظري على الأقل- ما روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وصليت معه العصر بذل الحليفة ركعتين وكان خرج مسافرا" [٣٤] .