للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعند البخاري بلفظ "صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين، ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة فلما ركب راحلته واستوت به أهل" [٣٥] . أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبدأ القصر عملا بالرخصة حينما كان يصل إلى ذي الحليفة وهو في طريقه إلى مكة. ومعلوم أن ذا الحليفة على بعد فرسخين أو ثلاثة من المدينة.

وما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني ابن المنكدر عن أنس بن مالك "أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعا وصليت معه بذي الحليفة العصر ركعتين والنبي صلى الله عليه وسلم يريد مكة" [٣٦] .

لذلك أرى- والله أعلم- أن مقدار الثلاثة أميال أو الثلاثة فراسخ الواردة في حديث أنس هي بداية القصر وليست هي مقدار المسافة التي تناط بها الرخصة، وإنما حديث أنس المشتمل على بيان هذا المقدار، وإن ورد مطلقا عند مسلم، لكنه جاء مقيدا عند البخاري وغيره، بأن ذلك كان بداية القصر أو بداية العمل بالرخصة.

الثالث: موقف الأوزاعي ومالك: نقل عن الأوزاعي ومالك، أن حدّ المسافة التي يباح فيها الفطر وتقصر فيها الصلاة، تقدر بمسيرة يوم وليلة، وهو اختيار البخاري، حيث ذكر بعد ترجمته للباب بقوله: باب: في كم يقصر الصلاة- وسمى النبي صلى الله عليه وسلم السفر يوما وليلة [٣٧] .

ومستند هذا الرأي هو حديث أبي هريرة رضى الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة" [٣٨] حيت أطلق صلى الله عليه وسلم السفر على مسيرة يوم وليلة وبمعنى أوضح: أن لفظ السفر وإِن جاء مجملا في الآية وبعض الأحاديث النبوية، إلا أن هذا الحديث وما ورد في معناه يعتبر مفسرا له.