فقد نقل عبد الرزاق عن الثوري قوله: (وقولنا الذي نأخذ به: مسيرة ثلاثة أيام. قلت: من أجل ما أخذت به؟ قال: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر امرأة فوف ثلاث إلا مع ذي محرم") [٥٠] .
وجه الاستدلال: أن الرسول عليه الصلاة والسلام منع المرأة من السفر خلال هذه المدة إلا إذا كان معها زوجها أو محرم، وتعليقه صلى الله عليه وسلم هذا الحكم بمدة الثلاثة أيام يفهم منه: أن سفر الثلاثة أيام هو الذي ينصرف إليه اسم السفر عند الإطلاق، فينبغي أن يقيد به.
ونرد على استدلال الثوري بهذا الحديث عدد من المناقشات التي وردت على بعض أصحاب الآراء السابقة، ونجملها فيما يلي:
أ- إن الحديث وارد في تحديد المسافة التي لا يجوز للمرأة أن تسافر فيها بدون محرم بينما المستدل عليه هو حدّ السفر المبيح للفطر وشتان بين الأمرين.
ب- إن هذا الحديث قد ورد بعدة روايات، فالتمسك بإحداها دون بقيتها فيه تحكم.
ج- عدم وجود تقدير مساحي لتحديد هذه المسافة بالأميال أو الفراسخ جعل التحديد الزمن بمسيرة ثلاثة أيام قليل الفائدة.
ويمكن الرد على هذه المناقشات بما يلي:
أ- أما المناقشة الأولى: فقد سبقت الإجابة عليها أكثر من مرة.
ب- أما المناقشة الثانية: فيجاب عنها، بأن التمسك برواية الثلاث أولى من التمسك بغيرها، لأن الثلاث أكثر ما ورد، والتمسك بأكثر ما ورد، فيه أخذ بالحيطة، وهى مطلوبة في الدين.
ج- أما المناقشة الثالثة: فيجاب عنها، بأن العلة في الرخصة هي المشقة، والمشقة إنما تتحقق في سفر الثلاثة أيام.
ويمكن على هذه الإجابة السؤال التالي:
ما الحكم إذا قطعت هذه المسافة- مسيرة الثلاثة أيام- في ساعة أو بعض الساعة كما هو حاصل الآن بالسيارات السريعة فضلا عن الطائرات، فماذا تكون الإجابة؟.