للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتحديد الرسول عليه الصلاة والسلام لرخصة المسح في السفر بثلاثة أيام يلزم منه، أن تكون هذه المدة هي المعيار الشرعي في السفر لكل رخصة سواء كانت للمسح أو للقصر أو للفطر أو لغير ذلك، والجامع في ذلك مشقة السفر في كل.

المناقشات الواردة على هذا الاستدلال؟

أولا: يناقش هذا الاستدلال بأنه من باب القياس، والقياس لا يلجأ إليه إلا عند عدم النص، والنص موجود وهو حديث أنس السابق: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخٍ ... الخ فإنه بالرغم من الاحتمال الوارد عليه، لكنه لا يزال هو النص الوحيد الوارد في الموضع.

ثانيا: بأن تمسك المذهب الحنفي بالتحديد الزمن دون وضع معيار ثابت بالمقادير المساحية، كالأميال وغيرها، يقلل الفائدة من العمل بهذه الرخصة وخصوصا بعد أن تطورت وسائل المواصلات في العصر الحديث تطورا يكاد يكون مذهلا، إذ ما كان يقطع في ثلاثة أيام فيما مضى صار الآن يقطع بالسيارات العادية في أقل من ساعة. فمعنى ذلك أن المسلم لا يتاح له العمل بالرخصة الآن إلا إذا سافر عدة آلاف من الأميال، كما أنه لن يستفيد من الرخصة إذا ما سافر بالطائرات.

ويجاب عن المناقشة الأولى: بأن الاستدلال بحديث أنس في تحديد المسافة التي تناط بها الرخصة كان محل نظر، وقد أوضحنا ذلك سابقا، ومعلوم أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.

أما المناقشة الثانية: فلا أدري بما يجيب الحنفية عنها. اللهم إلا إذا أخذ بما يقابل القول الصحيح وهو التقدير بالفراسخ أو الأميال.

وقد استدل سفيان الثوري على رأيه- المتفق مع الحنفية- بأن الرخصة لا تتحقق إلا بمسيرة ثلاثة أيام- بحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم" [٤٩] .