الخامس: موقف أبي حنيفة ومن معه: يرى أبو حنيفة والثوري والشعبي والنخعي والحسن بن صالح: أن المسافر إذا عزم على السفر وكان سفره مسيرة ثلاثة أيام بلياليها، سيرا وسطا على الدواب المحملة أو بالأقدام، فإنه يرخص له في الفطر.
ويرى أبو يوسف تقدير المدة، بيومين وأكثر اليوم الثالث.
والتقدير بالزمن هو الصحيح عند علماء الحنفية، ومقابله: التقدير بالفراسخ، فقيل بأحد عشر فرسخا، وقيل بثمانية عشر وقيل بخمسة عشر، وكل من قدر بقدر منها أعتقد أنه مسيرة ثلاثة أيام..
وإنما صح عندهم التقدير بالزمن فقط دون التقدير بالأميال أو الفراسخ لأنه لو كان الطريق وعرا، بحيث لو قطع في ثلاثة أيام أقل من خمسة عشر فرسخا فإنه يقصر بالنص، وإذا جرى على هذه التقديرات فإنه لا يقصر، فيكون معارضا للنص، وعلى ذلك فلا يعتبر إلا التقدير بسير الثلاثة أيام.
وقد ورد عليهم اعتراض، وهو ما الحكم إذا كانت الدابة سريعة كدواب البريد وقطعت المسافة -المقدر سيرها بثلاثة أيام- في يوم واحد؟ فأجاب البعض بجواز القصر والفطر لأنه يصدق عليه أنه قطع المسافة المقدرة بثلاثة أيام.
ومنع آخرون فطره وقصره، لانتفاء علة المشقة المنوط بها علة القصر والفطر في السفر [٤٧] .
ولا أدري بماذا يجيب الحنفية على من يقطع هذه المسافة الآن في ساعة أو بعضها بسبب السرعة التي دخلت على ميدان المواصلات.
وقد استدل الحنيفة على التحديد بثلاثة أيام بالتوقيت الوارد في المسح على الخفين: فقد روى عن شريح بن هانئ، قال: أتيتُ عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت عليك بابن أبي طالب فسله فإنه كان على يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه، فقال:"جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم"[٤٨] .