٤- إذا ضبط الجاني وجيء به إلى القاضي هل يقام عليه الحد فوراً.. لا.. إنه يدرأ ما كان هناك مخرج منه لقوله صلى الله عليه وسلم:"ادرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله. فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ فيالعقوبة "[٢١] . . فحين توجد أي شبهة، فمبدأ الإسلام هنا هو قول النبي صلى الله عليه وسلم:"ادرؤوا الحدود بالشبهات"[٢٢] . ولذلك يقول عمر بن الخطاب:"لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلى أن أقيمها بالشبهات"[٢٣] ، ولهذا لم يقطع عام الرمادة عندما انتشرت المجاعة [٢٤] ، ولم يقطع كذلك عندما سرق غلمان حاطب بن أبي بلتعة ناقة رجل من مزينة بعد أن تبين أن سيدهم يجيعهم، وغرم السيد ضعف ثمن الناقة تأديبا له [٢٥] . ولعل القصد من وراء الأخذ بمبدأ الشبهة التي تدرأ الحد هو التقليل من العقوبات ما أمكن. إذ القليل منها كاف في الزجر والتخويف [٢٦] . ومن أمثلة ذلك ما ذكره الفقهاء من أنه لا قطع إذا كان السارق والدا أو زوجا [٢٧] . أو كان في ظروف مجاعة. وبالنسبة للقذف قالوا لا حد بالتعريض [٢٨] ، وبالنسبة للزنا قالوا لا حد إذا لم يصرح الشهود أو المقر بالعبارات الدالة عليه من غير احتمال فإن الحد يقام [٢٩] كما جاء في كتاب المغني لابن قدامة أنه إذا ادعى أحد الجهل بفساد نكاح باطل قبل قوله؛ لأن عمر رضي الله عنه قبل قول المدعي الجهل بتحريم النكاح في العدة، ولأن مثل هذا يجهل كثيرا ويخفى على غير أهل العلم [٣٠] فالتضييق في الحدود أمر محبب في الإسلام حتى يكون العقاب قليلا مانعا بدل أن يكون عاما جامعا. على أن الفقهاء وإن كانوا اتفقوا على أن الشبهات تدرأ الحدود، إلا أنهم لم يتفقوا على كل الشبهات، فما يراه البعض شبهة صالحة للدرء قد لا يراه الآخرون كذلك، وتلك أمور كلها من مصلحة المتهم، ومن أمثلة ذلك أن كل نكاح أجمع على بطلانه كنكاح الخامسة أو المتزوجة أو المعتدة أو المطلقة ثلاثا يدرأ