والذي عنده علم من الكتاب يأتي بما هو أقوى من الخيال، لكنه حقيقة أجراها رب العالمين على يديه، حيث استطاع هذا العالم أن ينقل عرش الملكة من اليمن إلى الشام وهي مسافة لا تقل عن خمسة آلاف كيلو مترا في أقل من لمحة، أو قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه.
في القصة قوة الأنبياء وحكمتهم، وعظمة الملوك وحنكتهم، ومشورة أهل الرأي وإخلاصهم وسهر الحاكم على رعيته الكبير منها والصغير حتى الحيوان والطير.. وجرأة المحكوم وحريته في القول والتعبير والعمل مادام يؤدي دوره بصدق ويقوم بواجبه.. وفيها رجوع أهل الفضل إلى الحق بعد ما تبين لهم....
وكل هذه العناصر من القصة هدفت في الأصل إلى أمرين:
أولهما: بيان العقيدة الصحيحة التي يمثلها سليمان وجنوده، وهي عقيدة التوحيد وبيان عقيدة الشرك التي تمثلها بلقيس وقومها قبل إسلامهم.
وثانيهما: تسخير كل مقومات الأمة، وتوجيه طاقاتهاِ إلى الدعوة إلى وجود الله ووحدانيته وصبغ أبناء الأمة بالصبغة الدينية..ِ فهذا الهدهد ينفق جهده وقته في البحث عما يخدم العقيدة ويعلي أمرها، ويعزز شأنها ... وتحتوي القصة على مشاهد كثيرة، كل منها يؤكد ما ذهبنا إليه ويقرره.
وأول هذه المشاهد يبين قوة الملك، واتساع ملكه، وعظمة سلطانه، وكثرة أتباعهِ ... فسليمان ملك سخرت له الرياح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطين كل بناء وغواص وجمع له الإنس والجن والطير والحيوانات والحشرات، وهو عالم بلغات هؤلاء وهؤلاء {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ, وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} النمل/١٦-١٧.