هاهم أولاء الأعداء لا يحصيهم العَدُّ يحيطون بكم، ولا ينتظرون إلا أن تخور قواكم من شدة الظمأ، فليلتهموكم التهام الفريسة السهلة التي لا تجد من يحميها"، وأخذت وسوسة الشيطان تدور برءوسهم، ومن حسن الحظ أن تعودهم على الظمأ في صيام شهر رمضان قوّى من صبرهم، وفي الوقت الذي بلغت فيه الحرارة أشُدَها، وأرسلت الشمس شعاعها كشواظ من نار وكاد ينفد الصبر، أرسل الله سبحانه وتعالى إليهم السحب تتوج القمم والآكام، وتفجرت عن الغيث المنعش، حتى سال الوادي، فشرب المؤمنون وملأوا الأسقية، وسقوا الركاب، واغتسلوا من الجنابة فجعل الله في ذلك طهوراً وثبت به الأقدام، وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملة، فبعث الله المطار فضربها حتى اشتدت، وثبتت عليها الأقدام، ولم تمنعهم من السير {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}(الأنفال آية ١١) .
وعلى العكس كانت هذه العاصفة ضرراً على المشركين فقد أصابهم منها ما أعجزهم [٧] عن التحول فقد كانوا في أرض سبخة، وكانت إبلهم تنزلق، وتخر على الأرض وأرجلها الطويلة ممدودة وراءها في صورة تبعث على الضحك، وكانت قوائم الخيل تغوص في الأرض، وتَعْجِزُ عن إخراجها، ويحاول الفارس تخليصها من الأرض فترتمي عليه الفرس. وساد الاضطراب وعمت الفوضى، وعرقل كل ذلك من سيرهم [٨] .