للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمدد على هذا النحو مدد مزدوج مادي وروحي فالماء في الصحراء مادة الحياة فضلاً عن أن يكون أداة النصر، والجيش الذي يفقد الماء في الصحراء يفقد أعصابه قبل أن يفقد حياته، والتحرج من أداء الصلاة على غير طهور بالماء لعدم وجود الماء، ولم يكن قد رخص لهم بعد في التيمم، ويدخل الشيطان من باب الإيمان، ليزيد حرج النفوس ووجل القلوب، والنفوس التي تدخل المعركة في مثل هذا الحرج وفي مثل هذا القلق تدخلها مزعزعة مهزومة من داخلها.

وهنا يجيء المدد والنجدة {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} (الأنفال آية،١١) .

ذلك أن فوق ما أوحى الله سبحانه وتعالى إلى الملائكة؛ ليثبتوا الذين أمنوا فوق وعدهم بإلقاء الرعب في قلوب الكفار.

وكان النوم قد جافى عيون المؤمنين من شدة الخوف حينما بلغهم أنهم سيقاتلون جيشاً يزيد على عددهم ثلاثة أضعاف سيحاربهم غداً وهو أشد منهم قوة وأعظم عدة، فكان من مقتضى العادة أن يناموا على بساط الأرق والسهاد ويضربون أخماسا في أسداس، ويفكرون فيما سيلاقونه في غدهم من الشدة والبأس، ولكن الله رحمهم بما أنزل عليهم من النعاس، غشيهم فناموا واثقين بالله تعالى مطمئنين لوعده، وأصبحوا على همة ونشاط في لقاء عدوهم وعدوه. ولكن محمداً صلى الله عليه وسلم بقي متيقظا مستغرقا في الصلاة {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ.....} (الأنفال آية ١١) .