ولقد أجاد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - كعادته في كل بحوثه - في هذا البحث بكلام قليل جامع بين فيه مواقف الناس من التوكل على الله والأخذ بالأسباب وثمرات تلك المواقف فقال:- يعني الله تعالى – "الذي خلق السبب والمسبب والدعاء من جملة الأسباب التي قدرها الله سبحانه وتعالى وإذا كان كذلك:
١- فالالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد.
٢- ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل.
٣- والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع.
٤- بل العبد يجب أن يكون توكله وداؤه وسؤاله ورغبته إلى الله سبحانه وتعالى والله يقدر له من الأسباب من دعاء الخلق وغيره ما شاء". (١-١٣) مجموع الفتاوى.
وقال تلميذه ابن القيم رحمه الله:
"وقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات وإبطال قول من أنكرها والأمر بالتداوي وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع ألم الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى مقتضية لمسبباتها قدرا وشرعا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل كما يقدح في الأمر والحكمة ويضعفه من حيث يظن معطلها إن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلا ولا توكله عجزا". (ص٦٩ فتح المجيد) .
والخلاصة أن المتوكل الحقيقي من حرص على ما ينفعه فبذل الأسباب في حصوله واعتمد على ربه في ذلك، وعلى دفع ما يضر فبذل الأسباب لدفعه واعتمد على ربه في ذلك وصبر على قضاء الله الذي لا راد له، وعلم أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه، وكان شجاعا لا يخاف إلا ربه سبحانه وتعالى.