وقام إليه رجال من قومه يقولون له:"أما كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله لك". وظلوا به حتى كاد أن يرجع فيكذب نفسه, فلقيه معاذ بن جبل وأبو قتادة فقالا له:"لا تطع أصحابك، وأقم على الصدق فإن الله سيجعل لك فرجا ومخرجا إن شاء الله ".
فقال لهما:"هل أتى هذا أحد غيري؟ "، قالا له:"نعم، مرارة بن الربيع وهلال بن أمية "[٥١] يقول: "فذكرا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً ولي فيهما أسوة". ومضى حتى يقضي الله فيه.
ونهى رسول الله عن كلام الثلاثة فاجتنبهم الناس، وتغيروا لهم، حتى تنكرت لهم أنفسهم، فلبثوا على ذلك أربعين ليلة. ثم بعث رسول الله بأن يعتزلوا نساءهم. فلما انقضت خمسون ليلة. أنزل الله توبته عليهم التي فرح بها المجتمع الإسلامي كله وهو قوله:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة ... } الآية.
وهكذاِ.. كان من نتائج هذه الغزوة تأمين الجزيرة العربية ضد القوى المسيحية والوثنية في الشمال، وكشف العناصر المخادعة من المنافقين في الداخل، والضرب على أيديهم، وتنقية المجتمع الإسلامي من الشوائب الضارة.
ولا ريب أن هذه الغزوة إلى الحدود الشمالية تشير إلى الاتجاه الذي أراده الرسول للفتوحات الإسلامية من بعده. وضرورة إخضاع دولتي الفرس والروم لإزالة سيطرتهما عن العراق والشام، حتى ينطلق الإسلام إلى ما وراءهما, بل كان آخر عمل للرسول صلى الله عليه وسلم، إعداده جيش أسامة بن زيد لقتال الروم, ووصيته للصحابة بأن لا يتخلفوا عنه. والتي ساهم فيها كبار الصحابة وكان لها آثار طيبة على مستقبل الإسلام.