وقد ارتعدت فرائص المنافقين بعد هذا الحادث, وأدركوا- أنه قد انكشف أمر نفاقهم وأن الرسول يعرفهم تماما، من تخلفهم ومن رجوعهم ومن مؤامراتهم. وفقد المنافقون بعد العودة من تبوك شيخهم عبد الله بن أبي بن سلول، فمات بعد شهرين من عودة الرسول من تبوك، وبوفاته انهار ركن المنافقين ونزل قول الله تعالى:{وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ}[٤٨] . ويبدو أن من بقي آثر السلامة، بعد أن اعتبر بما سلف منهم والله أعلم بالسرائر.
المتخلفون عن جيش العسرة
كان قد تخلف عن رسول الله نفر من المسلمين أخطأت بهم النية من غير شك أو ارتياب كما تخلف رهط من المنافقين, وبعد عودة الرسول إلى المدينة جاء المخلفون إليه يعتذرون، فقبل منهم علانيتهم وإيمانهم. وحلَفوا فصدقهم. واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى.
وكان ممن تخلف ثلاثة نفر هم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيعة وهلال بن أمية. فأما كعب فقد قدم على رسول الله وهو جالس في المسجد فسأله:"ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ "[٤٩] . قال:
"بلى يا رسول الله، والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر.. ولقد أعطيت جدلا. ولكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثا كاذبا لترضى عني، ليوشكنّ الله أن يسخط عليّ. ولئن حدثتك اليوم حديثا صادقا، تَجِدُ عليّ فيه. إني لأرجو عقبى الله فيه.. والله ما كان لي عذر. والله ما كنت أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك". فقال عليه السلام:" أما أنت فقد صدقت. فقم حتى يقضي الله فيك"[٥٠] .