وكانوا قد أسرعوا برسول الله فسقط بعض متاع رحله ... يقول حمزة بن عمرو الأسلمي:"فنور لي في أصابعي الخمس فأضاءت حتى كنا نجمع ما سقط ... السوط ... والحبل وأشباهها، حتى ما بقي من المتاع شيء إلا جمعناه"[٤٥] .
هذا موقف عدائي للرسول أطلعه الله عليه, ومع ذلك لم يأذن له لأن يقتدهم. فلما أصبح الرسول قال أسيد بن حضير: ما منعك يا رسول الله من سلوك الوادي فقد كان أسهل، فقال:"يا أبا يحي أتدري ما أراد البارحة المنافقون, وما هموا به؟ , قالوا نتبعه في العقبة فإذا أظلم الليل قطعوا أنساع راحلتى ونخسوها، حتى يطرحوني عن راحلتي ". قال أسيد بن حضير الأوسي الأشهلي وهو أحد النقباء يا رسول الله: قد اجتمع الناس ونزلوا فمر كل بطن أن تقتل الرجل عشيرتُه ... وإن أحببت فنبئني بهم, فوالذي بعثك بالحق لا تبرح حتى آتيك برؤوسهم، فإن مثل هؤلاء لا يتركون ... يا رسول الله، حتى متى نداهنهم وقد صاروا اليوم في القلة والذلة, وقد ضرب الإسلام بجرانه، فما نستبقي هؤلاء، فقال صلى الله عليه وسلم "يا أسيد إني أكره أن يقول الناس إن محمدا لماّ نقضت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده في قتل أصحابه" ... قال يا رسول الله ليسوا بأصحابِ ... قال:"أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله ... " قال: "بلى ولا شهادة لهم". قال:"أو ليس يظهرون أني رسول الله"، قال: بلى. ولا شهادة لهم.... قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"وقد نهيت عن قتل أولئك"[٤٦] .
والملاحظ أن الرسول اشتد بعد ذلك في معاملته للمنافقين-. وقد بدأ بأن أمر بإحراق مسجد الضرار، وتقويض أركانه وفضح بناته ورواده؛ ذلك لأنه بني ضرارا لمسجد رسول الله بالمدينة أو لمسجد قباء، بني كفراً بالله وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله, وهو أبو عامر الفاسق. وكان المنافقون مجتمعين فيه بين المغرب والعشاء فاحرقه رسولا النبي صلى الله عليه وسلم وهدماه حتى وضعاه في الأرض [٤٧] .