للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أشرت فيما مضى أن قطاعا من المنافقين رجع من ثنية الوداع [٤١] . ولكن صحب المجاهدين أفراد من المنافقين, فكانوا قوة هدامة، اشتد عداؤها للرسول رغم ما ظهر أمامهم من آيات واضحة لكل ذي قلب أو ألقى السمع. ولكن النفاق غلف قلوبهم، وعشى أبصارهم فلا وَعْي ولا بصيرة, بل حدث في هذه الغزوة جريمة كبيرة، حين تاَمروا على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، ولكن لم يشأ صلى الله عليه وسلم وهو يعرفهم أن يقتلهم عندما كشف مؤامرتهم.

كان المنافقون قد تآمروا على أن يطرحوا الرسول عندما يبلغ إحدى العقبات على الطريق فلما بلغ صلى الله عليه وسلم تلك العقبة أراد المنافقون أن يسلكوها معه, فاعلم الله نبيه نبأ هذه المؤامرة, فأمر الناس أن يسلكوا بطن الوادي، وسلك صلى الله عليه وسلم العقبة فكان مناديه حين أنذرهم بأمره قد قال لهم: "إن رسول الله آخذ بالعقبة فلا يأخذها أحد" [٤٢] .. وأمر عمار بن ياسر بأن يأخذ زمام الناقة, وأمر حذيفة بن اليمان أن يسوق خلفه.

وبينما رسوله الله صلى الله عليه وسلم يسير في العقبة إذ سمع حِسَّ القوم قد غَشوه فغضب وأمر حذيفة بأن يردهم، فرجع إليهم فجعل يضرب وجوه رواحلهم، فانحطوا مسرعين من العقبة حتى خالطوا الناس, وأتى حذيفة فِساق به, فلما خرج من العقبة سأله الرسول: "هل عرفت أحداً من الركب الذين رددتهم؟ " قال: "يا رسول الله .... عرفت راحلة فلان وفلان وكان القوم ملثمين فلم أعرفهم من أجل ظلمة الليل؟ [٤٣] .

قال ابن اسحق: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأسمائهم حذيفة بن اليمان. وذكر الحافظ البيهقي أنهم كانوا أربعة عشر رجلا أو خمسة عشر، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد, وعَذَر ثلاثة منهم أنهم قالوا ما سمعنا المنادي، ولا علمنا ما أراد القوم [٤٤] .