إن الخطأ قد أتى هؤلاء الكاتبين من جهة (التطبيق) .. فهم يُعَرِّفون الشعر التعليمي تعريفاً نظرياً جيداً، واضح الحدود والمعالم، بيّن القسمات والسمات، وحين تأتي مرحلة التطبيق العملي يجانبهم التوفيق، ولا يجدون إلا بعض الجزئيات أو الأقسام في فترة معينة من الزمان تنطبق عليها هذه النظريات، ومن هنا ينطلقون إلى القول بأن هذا الفن كان عدما فيما مضى ثم أصبح له وجود منذ هذه الفترة التي اسُموها بالعصر العباسي، أو على أحسن الفروض العصر الأموي!..
إن هؤلاء الكتّاب يعرفون الشعر التعليمي بمثل ذلك التعريف الذي صدّرنا به هذا الحديث، ثم يقسمونه ثلاثة أقسام كما رأينا.
كل ذلك في أسلوب يخلو في الغالب من المقومات الفنية كالخيال والأسلوب الطلي الجميل بقصد تسهيل الحفظ والتذكر [١٣] .
ثم هم حين يأتون إلى مرحلة النظر في الأدب العربي منذ جاهليته، وهل حوى نماذج من الشعر التعليمي، يذهبون تلك المذاهب التي أشرنا إليها فيما تقدم!.
رأينا:
ومع أن ما في الشعر التعليمي- في عمومه- من مآخذ وعيوب أكثر مما فيه من حسنات وفضائل (وأن ما فيه من مثالب ونقائص لا يدعو إلى الدفاع عنه، والتحمس للقول بأن العرب قد عرفوه في أدبهم، نقرر أن الأدب العربي منذ جاهليته قد شارك في هذا اللون من الفن بكل أقسامه التي قدمناها:
(١) فبالنسبة للتاريخ وذكر القرون الخالية والأمم البائدة، قد امتلأ الأدب العربي بشعر الشعراء في ذلك، وقد كان ذلك أحد المنطلقات التي انطلق منها جماعة من الشعراء خصوصاً أولئك الذين كانوا على شيء من الثقافة الدينية والعلمية كأمية بن أبي الصلت، وعدي بن زيد ... [١٤] الخ من ذلك قصيدة عدي في منشأ الخلق وقصته خلق آدم وحواء وهبوطهما من الجنة التي يقول فيها: