لقد كثر في محاضرات الراغب ومجمع بلاغته التراكيب الأدبية التي جمعها من مأثوِر المنثور من تراث الأدب العربي حتى عصره، وذلك كقوله في الكنايات عن الموت:"قَرَض رباطه، ولعق إصبعه، استوفى أكله أي استوفى رزقه كناية عن الموت، جَرِضَ بريقه واصفرت أنامله، واستأثر الله به، ونقله إلى جواره، وتوفاه، خصه الدهر، ونقبت عنه المنية، ولاقى الذي يشعب الفتيان فانشعبا، اخترمته المخارم، وَجَبَتْ نفسه، ونضب عمره، اعلق أسباب المنية، ودع الدنيا، خلّى مكانه، وتهدم عرشه، وسالت مقامته، وشرق بدم الوتين أخنى عليه الذي أخنى على لبد، قامت عليه النوائح، هوت أمه، ضمت عليه المقابر.... طارت عقاب المنايا في سقائفه.... الخ"[٤٤] .
وفي العصر الحديث برز على ألسنة بعض نقاد الأدب ما يقف من هذه القوالب الأدبية في الكتابة الفنية، موقفا مغايرا. فهي عندهم دلائل صنعة لفظية ظلت تخنق الإبداع في النثر قرونا من الزمان، بما فيها من أشكال أدبية تشبه (الكليشهات) القديمة التي تفرض نفسها على الأسلوب الحديث. فإن بعض هذه التراكيب قد أصبحت مبتذلة لكثرة ترديد الأجيال لها, حتى صارت تفقد معناها من كثرة الاستعمال، فهل يعرف الناس المعنى الحقيقي لقولهم:"رفع عقيرته", وقولهم:"نسج على منواله", وقولهم:"الشمس في كبد السماء كدرهم"؟ [٤٥] .