ويقول في مثال ثان عن (الدَرْس) : "القراءة للتحفظ، ونحوه التلقين والمطارحة، والإلقاء للتعليم، والتقطيع للعروض، والتلاوة للقرآن، والإنشاد للأشعار وكذلك الرواية، والرواية للحديث، وكذلك السرد، والهذّ إجادة القراءة، والإملاء فيما يكتب، والتفسير والتأويل للغريب، والتعبير للرؤيا، والحل للمشكل"[٣٧] .
إنه يقفنا بدقة الخبير اللغوي على مدى ما بين هذه المفردات المتقاربة المعاني المتباينة المباني من فروق دلالية لئلا يظن الظانون أن الواحدة منها تجوز في مكان الأخرى. إنه يلتقي في ذلك مع قول القائلين بنفي الترادف؛ "لأن في كل واحدة من الألفاظ المتجانسة معنى ليس في الأخرى"[٣٨] .
وإذا قلبنا في مصنفاته الأدبية صفحات أكثر وجدنا أنه يسرد بعض مفردات الأسرة الواحدة دون إضافة كقوله:"ودَّه، وصافاه، وخالصه، وخادنه، وقارنه، وعاشره، وسامره، وألفه، وحالفه، وصاحبه، وواكبه.... وهي أفعال في المحبة ومعاني المعاشرة"[٣٩] ولكنه في مجموعات أخرى يوضح الأصل والفرع كقوله: "الإثم والفجور، كنايات عن الكذب"[٤٠] , وقوله (في أسرع) : "أسرع وألهب وأهذب، أما هب وعصف ومطر وطار وانقض واضطرم والتهب وترامى فكنايات عن العدو"[٤١] . وليس عبثاً قوله:"تقول في وصف سيف: ماض وحسام وصمصام ومهند ومخذم ... "[٤٢] ، فإنه يذكرنا بالحكاية التالية التي يسوقها من لا يقبل بالترادف "قال أبو علي الفارسي: كنت بمجلس سيف الدولة بحلب, وبالحضرة جماعة من أهل اللغة, ومنهم ابن خالويه, فقال ابن خالويه: أحفظ للسيف خمسين اسما، فتبسم أبو علي وقال: ما أحفظ له إلا اسما واحداً هو السيف، قال ابن خالويه: فأين المهند والصارم وكذا وكذا؟ فقال أبو علي: هذه صفات"[٤٣] .