للإجابة عن هذا السؤال نستذكر المثال الذي ساقه لنا قبل قليل عن مراحل الكلام، حيث قال:"إذا كان المعنى في النفس فهو علم، فإذا خرج إلى الفكر فهو روية، وإذا جرى به اللسان فهو كلام، وإن كتب باليد فكتابة"؛ فإن بين العلم والروية, وبين الكلام والكتابة ما قد وضحه من فرق وحدده، وهو فرق في الدرجة أو الحالة، كما بين القطن في حالاته المختلفة من فروق. ولنتأمل قوله:"تختلف عليه الأسامي بحسب اختلاف الأحوال به"أي أن بينها من الفرق الدقيق الذي لا يوجده إلا اختلاف الحالات.
كذلك نستذكر سخريته ممن يظنون أنهم إذا فسروا قوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ} : بالشكر لله, فقد فسروا القرآن، حيث قال في المكان نفسه إنه يريد أن يبين أن قوله تعالى {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} , وقوله:{لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} , وقوله:{أَفَلا تَعْقِلُونَ} مختلف بعضه عن بعض اختلاف ما بين أولي الأبصار وأولي الألباب وأولي النهى [٣٥] .
أليس يدل هذا على أنه يصر على أن فروقا لا بد قائمة بين هذه المفردات التي يحسب المتسرع أنها واحدة في معانيها؟ ومع ذلك فإننا نبحث عن أمثلة مما طرحه من المجموعات اللغوية.
إنه مثلاً يفرق بين مقامات الكلام على النحو التالي، فيقول:"منابر الخطباء، ومقامات الشعراء، ومجالس الفقهاء ومقرأة القرآن ومدرسة العلماء ومجمع الأشهار ومجامع القصاص وحلق أهل الذكر ومهبط الوحي ومعدن التلاوة"[٣٦] ، إنه هنا وضح لنا الفرق في هذه المقامات العلمية عن طريق إضافتها لما هي مشهورة به، ولولا هذا التوضيح بهذه الإضافة لانبهم علينا الفرق بين المجالس والمدارس والمجامع.